فصل: تفسير الآية رقم (69):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: أنوار التنزيل وأسرار التأويل المشهور بـ «تفسير البيضاوي»



.تفسير الآية رقم (68):

{وَإِنْ جَادَلُوكَ فَقُلِ اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا تَعْمَلُونَ (68)}
{وَإِن جادلوك} وقد ظهر الحق ولزمت الحجة. {فَقُلِ الله أَعْلَمُ بِمَا تَعْمَلُونَ} من المجادلة الباطلة وغيرها فيجازيكم عليها، وهو وعيد فيه رفق.

.تفسير الآية رقم (69):

{اللَّهُ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ (69)}
{الله يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ} يفصل بين المؤمنين منكم والكافرين بالثواب والعقاب. {يَوْمَ القيامة} كما فصل في الدنيا بالحجج والآيات. {فِيمَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ} من أمر الدين.

.تفسير الآية رقم (70):

{أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ إِنَّ ذَلِكَ فِي كِتَابٍ إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ (70)}
{أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ الله يَعْلَمُ مَا فِي السماء والأرض} فلا يخفى عليه شيء. {إِنَّ ذلك فِي كتاب} هو اللوح كتبه فيه قبل حدوثه فلا يهمنك أمرهم مع علمنا به وحفظنا له. {إِنَّ ذلك} إن الإِحاطة به وإثباته في اللوح المحفوظ، أو الحكم بينكم. {عَلَى الله يَسِيرٌ} لأن علمه مقتضى ذاته المتعلق بكل المعلومات على سواء.

.تفسير الآيات (71- 78):

{وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَمَا لَيْسَ لَهُمْ بِهِ عِلْمٌ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ نَصِيرٍ (71) وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آَيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ تَعْرِفُ فِي وُجُوهِ الَّذِينَ كَفَرُوا الْمُنْكَرَ يَكَادُونَ يَسْطُونَ بِالَّذِينَ يَتْلُونَ عَلَيْهِمْ آَيَاتِنَا قُلْ أَفَأُنَبِّئُكُمْ بِشَرٍّ مِنْ ذَلِكُمُ النَّارُ وَعَدَهَا اللَّهُ الَّذِينَ كَفَرُوا وَبِئْسَ الْمَصِيرُ (72) يَا أَيُّهَا النَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا لَهُ إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَنْ يَخْلُقُوا ذُبَابًا وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ وَإِنْ يَسْلُبْهُمُ الذُّبَابُ شَيْئًا لَا يَسْتَنْقِذُوهُ مِنْهُ ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ (73) مَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ (74) اللَّهُ يَصْطَفِي مِنَ الْمَلَائِكَةِ رُسُلًا وَمِنَ النَّاسِ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ (75) يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ (76) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (77) وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ هُوَ اجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ قَبْلُ وَفِي هَذَا لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيدًا عَلَيْكُمْ وَتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ فَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآَتُوا الزَّكَاةَ وَاعْتَصِمُوا بِاللَّهِ هُوَ مَوْلَاكُمْ فَنِعْمَ الْمَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِيرُ (78)}
{وَيَعْبُدُونَ مِن دُونِ الله مَا لَمْ يُنَزّلْ بِهِ سلطانا} حجة تدل على جواز عبادته. {وَمَا لَيْسَ لَهُمْ بِهِ عِلْمٌ} حصل لهم من ضرورة العقل أو استدلاله. {وَمَا للظالمين} وما للذين ارتكبوا مثل هذا الظلم. {مِن نَّصِيرٍ} يقرر مذهبهم أو يدفع العذاب عنهم.
{وَإِذَا تتلى عَلَيْهِمْ ءاياتنا} من القرآن. {بينات} واضحات الدلالة على العقائد الحقية والأحكام الإِلهية. {تَعْرِفُ في وُجُوهِ الذين كَفَرُواْ المنكر} الانكار لفرط نكيرهم للحق وغيظهم لأباطيل أخذوها تقليداً، وهذا منتهى الجهالة وللإِشعار بذلك وضع الذين كفروا موضع الضمير أو ما يقصدونه من الشر {يكادون يَسْطُونَ بالذين يَتْلُونَ عَلَيْهِمْ ءاياتنا} يثبون ويبطشون بهم. {قُلْ أَفَأُنَبّئُكُم بِشَرّ مّن ذلكم} من غيظكم على التالين وسطوتكم عليهم، أو مما أصابكم من الضجر بسبب ما تلوا عليكم. {النار} أي هو النار كأنه جواب سائل قال: ما هو، ويجوز أن يكون مبتدأ خبره: {وَعَدَهَا الله الذين كَفَرُواْ} وقرئ بالنصب على الاختصاص وبالجر بدلاً من شر فتكون الجملة استئنافاً كما إذا رفعت خبراً أو حالاً منها. {وَبِئْسَ المصير} النار.
{يأَيُّهَا الناس ضُرِبَ مَثَلٌ} بين لكم حال مستغربة أو قصة رائعة ولذلك سماها مثلاً، أو جعل لله مثل أي مثل في استحقاق العبادة. {فاستمعوا لَهُ} للمثل أو لشأنه استماع تدبر وتفكر. {إِنَّ الذين تَدْعُونَ مِن دُونِ الله} يعني الأصنام، وقرأ يعقوب بالياء وقرئ مبنياً للمفعول والراجع إلى الموصول محذوف على الأولين. {لَن يَخْلُقُواْ ذُبَاباً} لا يقدرون على خلقه مع صغره لأن {لَنْ} بما فيها من تأكيد النفي دالة على منافاة ما بين المنفي والمنفي عنه، و{الذباب} من الذب لأنه يذب وجمعه أذبة وذبان. {وَلَوِ اجتمعوا لَهُ} أي للخلق هو بجوابه المقدر في موضع حال جيء به للمبالغة، أي لا يقدرون على خلقه مجتمعين له متعاونين عليه فكيف إذا كانوا منفردين. {وَإِن يَسْلُبْهُمُ الذباب شَيْئاً لاَّ يَسْتَنقِذُوهُ مِنْهُ} جهلهم غاية التجهيل بأن أشركوا إلهاً قدر على المقدورات كلها وتفرد بإيجاد الموجودات بأسرها تماثيل هي أعجز الأشياء، وبين ذلك بأنها لا تقدر على خلق أقل الأحياء وأذلها ولو اجتمعوا له، بل لا تقوى على مقاومة هذا الأقل الأذل وتعجز عن ذبه عن نفسها واستنقاذ ما يختطفه من عندها. قيل كانوا يطلونها بالطيب والعسل ويغلقون عليها الأبواب فيدخل الذباب من الكوى فيأكله. {ضَعُفَ الطالب والمطلوب} عابد الصنم ومعبوده، أو الذباب يطلب ما يسلب عن الصنم من الطيب والصنم يطلب الذباب منه السلب، أو الصنم والذباب كأنه يطلبه ليستنقذ منه ما يسلبه ولو حققت وجدت الصنم أضعف بدرجات.
{مَا قَدَرُواْ الله حَقَّ قَدْرِهِ} ما عرفوه حق معرفته حيث أشركوا به وسموا باسمه ما هو أبعد الأشياء عنه مناسبة. {إِنَّ الله لَقَوِىٌّ} على خلق الممكنات بأسرها. {عَزِيزٌ} لا يغلبه شيء وآلهتهم التي يعبدونها عاجزة عن أقلها مقهورة من أذلها.
{الله يَصْطَفِى مِنَ الملائكة رُسُلاً} يتوسطون بينه وبين الأنبياء بالوحي. {وَمِنَ الناس} يدعون سائرهم إلى الحق ويبلغون إليهم ما نزل عليهم، كأنه لما قرر وحدانيته في الألوهية ونفى أن يشاركه غيره في صفاتها بين أن له عباداً مصطفين للرسالة يتوسل بإجابتهم والإِقتداء بهم إلى عبادة الله سبحانه وتعالى، وهو أعلى المراتب ومنتهى الدرجات لمن سواه من الموجودات تقريراً للنبوة وتزييفاً لقولهم {مَا نَعْبُدُهُمْ إِلاَّ لِيُقَرّبُونَا إِلَى الله زُلْفَى} والملائكة بنات الله تعالى، ونحو ذلك. {إِنَّ الله سَمِيعٌ بَصِيرٌ} مدرك للأشياء كلها.
{يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ} عالم بواقعها ومترقبها. {وَإِلَى الله تُرْجَعُ الأمور} وإليه ترجع الأمور كلها لأنه مالكها بالذات لا يسأل عما يفعل من الاصطفاء وغيره وهم يسألون.
{يأَيُّهَا الذين ءامَنُواْ اركعوا واسجدوا} في صلاتكم، أمرهم بهما لأنهم ما كانوا يفعلونها أول الإِسلام، أو صلوا وعبر عن الصلاة بهما لأنهما أعظم أركانها، أو اخضعوا لله وخروا له سجداً. {وَاعْبُدُواْ رَبَّكُمْ} بسائر ما تعبدكم به. {وافعلوا الخير} وتحروا ما هو خير وأصلح فيما تأتون وتذرون كنوافل الطاعات وصلة الأرحام ومكارم الأخلاق. {لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} أي افعلوا هذه كلها وأنتم راجون الفلاح غير متيقنين له واثقين على أعمالكم، والآية آية سجدة عندنا لظاهر ما فيها من الأمر بالسجود ولقوله عليه الصلاة والسلام: «فضلت سورة الحج بسجدتين من لم يسجدهما فلا يقرؤها» {وجاهدوا في الله} أي لله ومن أجله أعداء دينه الظاهرة كأهل الزيغ والباطنة كالهوى والنفس. وعنه عليه الصلاة والسلام أنه رجع من غزوة تبوك فقال: «رجعنا من الجهاد الأصغر إلى الجهاد الأكبر» {حَقَّ جهاده} أي جهاداً فيه حقاً خالصاً لوجهه فعكس وأضيف الحق إلى الجهاد مبالغة كقولك: هو حق عالم، وأضيف الجهاد إلى الضمير اتساعاً أو لأنه مختص بالله من حيث إنه مفعول لوجه الله تعالى ومن أجله. {هُوَ اجتباكم} اختاركم لدينه ولنصرته، وفيه تنبيه على المقتضى للجهاد والداعي إليه وفي قوله: {وَمَا جَعَلَ عَلَيْكمْ في الدين مِنْ حَرَجٍ} أي ضيق بتكليف ما يشتد القيام به عليكم، إشارة إلى أنه لا مانع لهم عنه ولا عذر لهم في تركه، أو إلى الرخصة في إغفال بعض ما أمرهم به من حيث شق عليهم لقوله عليه الصلاة والسلام: «إذا أمرتكم بشيء فائتوا منه ما استطعتم» وقيل ذلك بأن جعل لهم من كل ذنب مخرجاً بأن رخص لهم في المضايق وفتح عليهم باب التوبة، وشرع لهم الكفارات في حقوقه والأروش والديات في حقوق العباد {مّلَّةَ أَبِيكُمْ إبراهيم} منتصبة على المصدر بفعل دل عليه مضمون ما قبلها بحذف المضاف أي: وسع دينكم توسعة ملة أبيكم، أو على الإِغراء أو على الاختصاص، وإنما جعله أباهم لأنه أبو رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو كالأب لأمته من حيث إنه سبب لحياتهم الأبدية ووجودهم على الوجه المعتد به في الآخرة، أو لأن أكثر العرب كانوا من ذريته فغلبوا على غيرهم.
{هُوَ سماكم المسلمين مِن قَبْلُ} من قبل القرآن في الكتب المتقدمة. {وَفِى هذا} وفي القرآن، والضمير لله تعالى ويدل عليه أنه قرئ: {الله سماكم}، أو ل {إِبْرَاهِيمَ} وتسميتهم بمسلمين في القرآن وإن لم تكن منه كانت بسبب تسميته من قبل في قوله: {وَمِن ذُرّيَّتِنَا أُمَّةً مُّسْلِمَةً لَّكَ} وقيل وفي هذا تقديره وفي هذا بيان تسميته إياكم مسلمين. {لِيَكُونَ الرسول} يوم القيامة متعلق بسماكم. {شَهِيداً عَلَيْكُمْ} بأنه بلغكم فيدل على قبول شهادته لنفسه اعتماداً على عصمته، أو بطاعة من أطاع وعصيان من عصى. {وَتَكُونُواْ شُهَدَاء عَلَى الناس} بتبليغ الرسل إليهم. {فَأَقِيمُواْ الصلاة وَآتَوُاْ الزكواة} فتقربوا إلى الله تعالى بأنواع الطاعات لما خصكم بهذا الفضل والشرف. {واعتصموا بالله} وثقوا به في مجامع أموركم ولا تطلبوا الإِعانة والنصرة إلا منه. {هُوَ مولاكم} ناصركم ومتولي أموركم {فَنِعْمَ المولى وَنِعْمَ النصير} هو إذ لا مثل له سبحانه في الولاية والنصرة، بل لا مولى ولا نصير سواه في الحقيقة. عن النبي عليه الصلاة والسلام: «من قرأ سورة الحج أعطي من الأجر كحجة حجها وعمرة اعتمرها بعدد من حج واعتمر فيما مضى وفيما بقي».
بسم الله الرحمن الرحيم

.سورة المؤمنون:

مكية وهي مائة وتسع عشرة آية عند البصريين وثماني عشرة عند الكوفيين.

.تفسير الآية رقم (1):

{قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ (1)}
{قَدْ أَفْلَحَ المؤمنون} قد فازوا بأمانيهم وقد تثبت المتوقع كما أن لما تنفيه وتدل على ثباته إذا دخلت على الماضي، ولذلك تقربه من الحال ولما كان المؤمنون متوقعين ذلك من فضل الله صدرت بها بشارتهم، وقرأ ورش عن نافع {قَدْ أَفْلَحَ} بإلقاء حركة الهمزة على الدال وحذفها، وقرئ: {أفلحوا} على لغة: أكلوني البراغيث، أو على الإِبهام والتفسير، و{أَفْلَحَ} بالضم اجتزاء بالضمة عن الواو و{أَفْلَحَ} على البناء للمفعول.

.تفسير الآية رقم (2):

{الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ (2)}
{الذين هُمْ فِي صَلاَتِهِمْ خاشعون} خائفون من الله سبحانه وتعالى متذللون له ملزمون أبصارهم مساجدهم. روي أنه صلى الله عليه وسلم كان يصلي رافعاً بصره إلى السماء، فلما نزلت رمى ببصره نحو مسجده وأنه رأى رجلاً يعبث بلحيته فقال: «لو خشع قلب هذا لخشعت جوارحه».

.تفسير الآية رقم (3):

{وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ (3)}
{والذين هُمْ عَنِ اللغو} عما لا يعنيهم من قول أو فعل. {مُّعْرِضُونَ} لما بهم من الجد ما شغلهم عنه، وهو أبلغ من الذين لا يلهون من وجوه جعل الجملة اسمية وبناء الحكم على الضمير، والتعبير عنه بالاسم وتقديم الصلة عليه وإقامة الإِعراض مقام الترك ليدل على بعدهم عنه رأساً مباشرة وتسبباً وميلاً وحضوراً، فإن أصله أن يكون في عرض غير عرضه وكذلك قوله:

.تفسير الآية رقم (4):

{وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكَاةِ فَاعِلُونَ (4)}
{والذين هُمْ للزكواة فاعلون} وصفهم بذلك بعد وصفهم بالخشوع في الصلاة ليدل على أنهم بلغوا الغاية في القيام على الطاعات البدنية والمالية والتجنب عن المحرمات وسائر ما توجب المروءة اجتنابه، والزكاة تقع على المعنى والعين والمواد الأول لأن الفاعل فاعل الحدث لا المحل الذي هو موقعه أو الثاني على تقدير مضاف.

.تفسير الآية رقم (5):

{وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ (5)}
{والذين هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حافظون} لا يبذلونها.

.تفسير الآية رقم (6):

{إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ (6)}
{إِلاَّ على أزواجهم أَوْ مَا مَلَكَتْ أيمانهم} زوجاتهم أو سرياتهم، و{على} صلة ل {حافظون} من قولك احفظ على عنان فرسي، أو حال أي حافظوها في كافة الأحوال إلا في حال التزوج أو التسري، أو بفعل دل عليه غير ملومين وإنما قال: ما إجراء للماليك مجرى غير العقلاء إذ الملك أصل شائع فيه وإفراد ذلك بعدم تعميم قوله: {والذين هُمْ عَنِ اللغو مُّعْرِضُونَ} لأن المباشرة أشهى الملاهي إلى النفس وأعظمها خطراً. {فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ} الضمير لحافظون، أو لمن دل عليه الاستثناء أي فإن بذلوها لأزواجهم أو إمائهم فإنهم غير ملومين على ذلك.

.تفسير الآيات (7- 16):

{فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ (7) وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ (8) وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَوَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ (9) أُولَئِكَ هُمُ الْوَارِثُونَ (10) الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (11) وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ سُلَالَةٍ مِنْ طِينٍ (12) ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَكِينٍ (13) ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَامًا فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْمًا ثُمَّ أَنْشَأْنَاهُ خَلْقًا آَخَرَ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ (14) ثُمَّ إِنَّكُمْ بَعْدَ ذَلِكَ لَمَيِّتُونَ (15) ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ تُبْعَثُونَ (16)}
{فَمَنِ ابتغى وَرَاء ذلك} المستثنى. {فَأُوْلَئِكَ هُمُ العادون} الكاملون في العدوان.
{والذين هُمْ لأماناتهم وَعَهْدِهِمْ} لما يؤتمنون عليه ويعاهدون من جهة الحق أو الخلق. {راعون} قائمون بحفظها وإصلاحها، وقرأ ابن كثير هنا وفي {المعارج} {لأمانتهم} على الإِفراد ولأمن الإِلباس أو لأنها في الأصل مصدر.
{والذين هُمْ على صلواتهم يحافظون} يواظبون عليها ويؤدونها في أوقاتها، ولفظ الفعل فيه لما في الصلاة من التجدد والتكرر ولذلك جمعه غير حمزة والكسائي، وليس ذلك تكريراً لما وصفهم به أولاً فإن الخشوع في الصلاة غير المحافظة عليها، وفي تصدير الأوصاف وختمها بأمر الصلاة تعظيم لشأنها.
{أولئك} الجامعون لهذه الصفات. {هُمُ الوارثون} الأحقاء بأن يسموا وُرَّاثاً دون غيرهم.
{الذين يَرِثُونَ الفردوس} بيان لما يرثونه وتقييد للوراثة بعد إطلاقها تفخيماً لها وتأكيداً، وهي مستعارة لاستحقاقهم الفردوس من أعمالهم، وإن كان بمقتضى وعده مبالغة فيه. وقيل إنهم يرثون من الكفار منازلهم فيها حيث فوتوها على أنفسهم لأنه تعالى خلق لكل إنسان منزلاً في الجنة ومنزلاً في النار. {هُمْ فِيهَا خالدون} أنث الضمير لأنه اسم للجنة أو لطبقتها العليا.
{وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإنسان مِن سلالة} من خلاصة سلت من بين الكدر. {مِن طِينٍ} متعلق بمحذوف لأنه صفة ل {سلالة} أو من بيانية أو بمعنى {سلالة} لأنها في معنى مسلولة فتكون ابتدائية كالأولى، والإِنسان آدم عليه الصلاة والسلام خلق من صفوة سلت من الطين، أو الجنس فإنهم خلقوا من سلالات جعلت نطفاً بعد أدوار. وقيل المراد بالطين آدم لأنه خلق منه والسلالة نطفته.
{ثُمَّ جعلناه} ثم جعلنا نسله فحذف المضاف. {نُّطْفَةٍ} بأن خلقناه منها أو ثم جعلنا السلالة نطفة، وتذكير الضمير على تأويل الجوهر أو المسلول أو الماء. {فِي قَرَارٍ مَّكِينٍ} مستقر حصين يعني الرحم، وهو في الأصل صفة للمستقر وصف به المحل للمبالغة كما عبر عنه بالقرار.
{ثُمَّ خَلَقْنَا النطفة عَلَقَةً} بأن أحلنا النطفة البيضاء علقة حمراء. {فَخَلَقْنَا العلقة مُضْغَةً} فصيرناها قطعة لحم. {فَخَلَقْنَا المضغة عظاما} بأن صلبناها. {فَكَسَوْنَا العظام لَحْماً} مما بقي من المضغة أو مما أنبتنا عليها مما يصل إليها، واختلاف العواطف لتفاوت الاستحالات والجمع لاختلافها في الهيئة والصلابة، وقرأ ابن عامر وأبو بكر على التوحيد فيهما اكتفاء باسم الجنس عن الجمع، وقرئ بإفراد أحدهما وجمع الآخر. {ثُمَّ أَنشَأْنَاهُ خَلْقاً ءَاخَر} وهو صورة البدن أو الروح أو القوى بنفخه فيه أو المجموع، و{ثُمَّ} لما بين الخلقين من التفاوت، واحتج به أبو حنيفة على أن من غصب بيضة أفرخت عنده لزمه ضمان البيضة لا الفرخ لأنه خلق آخر. {فَتَبَارَكَ الله} فتعالى شأنه في قدرته وحكمته. {أَحْسَنُ الخالقين} المقدرين تقديراً فحذف المميز لدلالة {الخالقين} عليه.
{ثُمَّ إِنَّكُمْ بَعْدَ ذلك لَمَيّتُونَ} لصائرون إلى الموت لا محالة، ولذلك ذكر النعت الذي للثبوت دون اسم الفاعل وقد قرئ به.
{ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ القيامة تُبْعَثُونَ} للمحاسبة والمجازاة.